فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{هُمُ الّذِين يقولون لا تُنْفِقُوا على منْ عِنْد رسُولِ اللّهِ حتّى ينْفضُّوا}
أخبر الله تعالى بشنيع مقالتهم فقال: {هُمُ الذين يقولون} كذا وكذا: {وينفضوا} أي يتفرقوا، وقرئ: {ينفضُّواْ} من أنفض القوم إذا فنيت أزوادهم، قال المفسرون: اقتتل أجير عمر مع أجير عبد الله بن أبي في بعض الغزوات فأسمع أجير عمر عبد الله بن أبي المكروه واشتد عليه لسانه، فغضب عبد الله وعنده رهط من قومه فقال: أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، يعني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل على قومه فقال: لو أمسكتم النفقة عن هؤلاء يعني المهاجرين لأوشكوا أن يتحولوا عن دياركم وبلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد فنزلت، وقرئ: {ليُخْرِجنّ} بفتح الياء، وقرأ الحسن وابن أبي عيلة: {لنخْرُجنّ} بالنون ونصب الأعز والأذل، وقوله تعالى: {ولِلّهِ خزائِنُ السموات والأرض} قال مقاتل: يعني مفاتيح الرزق والمطر والنبات، والمعنى أن الله هو الرزاق: {قُلْ من يرْزُقُكُم مّن السماء والأرض} [يونس: 31] وقال أهل المعاني: خزائن الله تعالى مقدوراته لأن فيها كل ما يشاء مما يريد إخراجه، وقال الجنيد: خزائن الله تعالى في السموات الغيوب وفي الأرض القلوب وهو علام الغيوب ومقلب القلوب، وقوله تعالى: {ولكن المنافقين لا يفْقهُون} أي لا يفقهون أن: {أمْرُهُ إِذا أراد شيْئا أن يقول لهُ كُن فيكُونُ} [ياس: 82] وقوله يقولون: {لئِن رّجعْنا} أي من تلك الغزوة وهي غزوة بني المصطلق إلى المدينة فرد الله تعالى عليه وقال: {ولِلّهِ العزة} أي الغلبة والقوة ولمن أعزه الله وأيده من رسوله ومن المؤمنين وعزهم بنصرته إياهم وإظهار دينهم على سائر الأديان واعلم رسوله بذلك ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك ولو علموه ما قالوا: مقالتهم هذه، قال صاحب (الكشاف): {ولِلّهِ العزة ولِرسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِين} وهم الأخصاء بذلك كما أن المذلة والهوان للشيطان وذويه من الكافرين والمنافقين، وعن بعض الصالحات وكانت في هيئة رثة ألست على الإسلام وهو العز الذي لا ذل معه، والغنى الذي لا فقر معه، وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن رجلا قال له: إن الناس يزعمون أن فيك تيها قال: «ليس بتيه ولكنه عزة فإن هذا العز الذي لا ذل معه والغنى الذي لا فقر معه»، وتلا هذه الآية قال بعض العارفين في تحقيق هذا المعنى: العزة غير الكبر ولا يحل للمؤمن أن يذل نفسه، فالعزة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه وإكرامها عن أن يضعها لأقسام عاجلة دنيوية كما أن الكبر جهل الإنسان بنفسه وإنزالها فوق منزلها فالعزة تشبه الكبر من حيث الصورة، وتختلف من حيث الحقيقة كاشتباه التواضع بالضعة والتواضع محمود، والضعة مذمومة، والكبر مذموم، والعزة محمودة، ولما كانت غير مذمومة وفيها مشاكلة للكبر، قال تعالى: {ذلِكُمْ بِما كُنتُمْ تسْتكْبِرُون فِي الأرض بِغيْرِ الحق} وفيه إشارة خفية لإثبات العزة بالحق، والوقوف على حد التواضع من غير انحراف إلى الضعة وقوف على صراط العزة المنصوب على متن نار الكبر، فإن قيل: قال في الآية الأولى: {لاّ يفْقهُون} وفي الأخرى {لاّ يعْلمُون} فما الحكمة فيه؟ فنقول: ليعلم بالأول قلة كياستهم وفهمهم، وبالثاني كثرة حماقتهم وجهلهم، ولا يفقهون من فقه يفقه، كعلم يعلم، ومن فقه يفقه: كعظم يعظم، والأول لحصول الفقه بالتكلف والثاني لا بالتكلف، فالأول علاجي، والثاني مزاجي. اهـ.

.قال القرطبي:

{هُمُ الّذِين يقولون لا تُنْفِقُوا على منْ عِنْد رسُولِ اللّهِ حتّى ينْفضُّوا}
ذكرنا سبب النزول فيما تقدم.
وابن أُبيّ قال: لا تُنفقوا على من عند محمد حتى ينفضُّوا؛ حتى يتفرّقوا عنه.
فأعلمهم الله سبحانه أن خزائن السموات والأرض له، ينفق كيف يشاء.
قال رجل لحاتم الأصمّ: من أين تأكل؟ فقال: {ولِلّهِ خزآئِنُ السماوات والأرض}.
وقال الْجُنيد: خزائن السموات الغيوب، وخزائن الأرض القلوب؛ فهو علاّم الغيوب ومُقلِّب القلوب.
وكان الشِّبْليّ يقول: {ولِلّهِ خزآئِنُ السماوات والأرض} فأين تذهبون.
{ولكن المنافقين لا يفْقهُون} أنه إذا أراد أمرا يسّره.
{يقولون لئِنْ رجعْنا إِلى الْمدِينةِ ليُخْرِجنّ الْأعزُّ مِنْها الْأذلّ ولِلّهِ الْعِزّةُ ولِرسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِين ولكِنّ الْمُنافِقِين لا يعْلمُون (8)}
القائل ابن أُبيّ كما تقدم.
وقيل: إنه لما قال: {ليُخْرِجنّ الأعز مِنْها الأذل}.
ورجع إلى المدينة لم يلبث إلا أياما يسيرة حتى مات؛ فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألبسه قميصه؛ فنزلت هذه الآية: {لن يغْفِر الله لهُمْ}.
وقد مضى بيان هذا كله في سورة (براءة) مستوفى.
وروي أن عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ بن سلول قال لأبيه: والذي لا إله إلا هو لا تدخل المدينة حتى تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأعزّ وأنا الأذلّ؛ فقاله.
توهّمُوا أن العزّة بكثرة الأموال والأتباع؛ فبيّن الله أن العِزّة والمنعة والقُوّة لله. اهـ.

.قال الألوسي:

{هُمُ الذين يقولون لا تُنفِقُواْ على منْ عِند رسُولِ الله حتى ينفضُّواْ}
استئناف مبين لبعض ما يدل على فسقهم، وجوز أن يكون جاريا مجرى التعليل لعدم مغفرته تعالى لهم وليس بشيء لأن ذاك معلل بما قبل، والقائل رأس المنافقين ابن أبي وسائرهم راضون بذلك، أخرج الترمذي وصححه.
وجماعة عن زيد بن أرقم قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معنا ناس من الأعراب فكنا نبتدر الماء وكان الأعراب يسبقونا إليه فيسبق الأعرابي أصحابه فيملأ الحوض ويجعل حوضه حجارة ويجعل النطع عليه حتى يجيء أصحابه فإني رجل من الأنصار أعرابيا فأرخى ذمام ناقته لتشرب فأبى أن يدعه فانتزع حجرا ففاض فرفع الأعرابي خشبة فضرب رأس الأنصاري فشجه فأتى عبد الله بن أبي رأس المنافقين فأخبره وكان من أصحابه فغضب، وقال: {لا تُنفِقُواْ على منْ عِند رسُولِ الله حتى ينفضُّواْ مِنْ حوْلِهِمْ} يعني الأعراب، ثم قال لأصحابه: إذا رجعتم إلى المدينة فليخرج الأعز منها الأذل، قال زيد: وأنا ردف عمي فسمعت عبد الله فأخبرت عمي فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام فحلف وجحد وصدقه صلى الله عليه وسلم وكذبني فجاء عمي إلي فقال: ما أردت إلي أن مقتك وكذبك المسلمون فوقع على من الهم ما لم يقع على أحد قط فبينا أنا أسير وقد خفضت رأسي من الهم إذا أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني وضحك في وجهي ثم إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لحقني فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: ما قال لي شيئا إلا أنه عرك أذني وضحك في وجهي فقال: أبشر فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِذا جاءك المنافقون قالواْ نشْهدُ إِنّك لرسُولُ الله} حتى بلغ {ليُخْرِجنّ الأعز مِنْها الأذل} [المنافقون: 18] وقد تقدم عن البخاري ما يدل على أنه قائل ذلك أيضا.
وأخرج الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي نحو ذلك، والأخبار فيه أكثر من أن تحصى؛ وتلك الغزاة التي أشار إليها زيد قال سفيان: يرون أنها غزاة بني المصطلق، وفي (الكشاف) خبر طويل في القصة يفهم منه أنهم عنوا بمن عند رسول الله فُقراء المهاجرين، والظاهر أن التعبير برسول الله صلى الله عليه وسلم أي بهذا اللفظ وقع منهم ولا يأباه كفرهم لأنهم منافقون مقرون برسالته عليه الصلاة والسلام ظاهرا.
وجوز أن يكونوا قالوه تهكما أو لغلبته عليه الصلاة والسلام حتى صار كالعلم لم يقصد منه إلا الذات، ويحتمل أنهم عبروا بغير هذه العبارة فغيرها الله عز وجل إجلالا لنبيه عليه الصلاة والسلام وإكراما، والانفضاض التفرق، و{حتى} للتعليل أي لا تنفقوا عليهم كي يتفرقوا عنه عليه الصلاة والسلام ولا يصحبوه.
وقرأ الفضل بن عيسى الرقاشي {ينفضوا} من أنفض القوم فنى طعامهم فنفض الرجل وعاءه، والفعل مما يتعدى بغير الهمزة وبالهمزة لا يتعدى، قال في (الكشاف): وحقيقته حان لهم أن ينفضوا مزاودهم، وقوله تعالى: {ولِلّهِ خزائِنُ السماء والأرض} ردّ وإبطال لما زعموا من أن عدم إنفاقهم على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤدي إلى انفضاضهم عنه عليه الصلاة والسلام ببيان أن خزائن الأرزاق بيد الله تعالى خاصة يعطي منها من يشاء ويمنع من يشاء {ولكن المنافقين لا يفْقهُون} ذلك لجهلهم بالله تعالى وبشؤنه عز وجل، ولذلك يقولون من مقالات الكفرة ما يقولون.
{يقولون لئِن رّجعْنا إِلى المدينة ليُخْرِجنّ الأعز مِنْها الأذل}
قائله كما سمعت ابن أبي، وعنى بالأعز نفسه أو ومن يلوذ به، وبالأذل من أعزه الله عز وجل وهو الرسول صلى الله عليه وسلم أو هو عليه الصلاة والسلام والمؤمنون، وإسناد القول المذكور إلى جميعهم لرضاؤهم به كما في سابقه.
وقرأ الحسن، وابن أبي عبلة، والسبتي في اختياره {لنخرجن} بالنون، ونصب {الأعز} على أن {ليُخْرِجنّ الأعز} مفعول به، و{الأذل} إما حال بناءا على جواز تعريف الحال، أو زيادة أل فيه نحو أرسلها العراك، وأدخلوا الأول فالأول وهو المشهور في تخريج ذلك، أو حال بتقدير مثل وهو لا يتعرف بالإضافة أي مثل الأذل، أو مفعول به لحال محذوفة أي مشبها الأذل، أو مفعول مطلق على أن الأصل إخراج الأذل فحذف المصدر المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب انتصابه.
وحكى الكسائي والفراء أن قوما قرأوا {ليخرجن} بالياء مفتوحة وضم الراء.
ورفع {الأعز} على الفاعلية.
ونصب {الأذل} على ما تقدم، بيد أنك تقدر على تقدير النصب على المصدرية خروج، وقرئ ليخرجن بالياء مبنيا للمفعول، ورفع {الأعز} على النيابة عن الفاعل، ونصب {الأذل} على ما مر.
وقرأ الحسن فيما ذكر أبو عمرو الداني {لنخرجن} بنون الجماعة مفتوحة وضم الراء، ونصب {الأعز}، وحكى هذه القراءة أبو حاتم، وخرجت على أن نصب {ليُخْرِجنّ الأعز} على الاختصاص كما في قولهم: نحن العرب أقرى الناس للضيف، ونصب {الأذل} على أحد الأوجه المارة فيما حكاه الكسائي.
والفراء، والمقصود إظهار التضجر من المؤمنين وأنهم لا يمكنهم أن يساكنوهم في دار كذا قيل: وهو كما ترى، ولعل هذه القراءة غير ثابة عن الحسن، وقوله تعالى: {ولِلّهِ العزة ولِرسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِين} رد لما زعموه ضمنا من عزتهم وذل من نسبوا إليه الذل، وحاشاه منه أي ولله تعالى الغلبة والقوة ولمن أعزه الله تعالى من رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لا للغير، ويعلم مما أشرنا إليه توجيه الحصر المستفاد من تقديم الخبر، وقيل: إن العطف معتبر قبل نسبة الإسناد فلا ينافي ذلك ولا يضر إعادة الجار لأنها ليست لإفادة الاستقلال في النسبة بل لإفادة تفاوت ثبوت العزة فإن ثبوتها لله تعالى ذاتي وللرسول صلى الله عليه وسلم بواسطة الرسالة وللمؤمنين بواسطة الايمان، وجاء من عدة طرق أن عبد الله بن أبي وكان مخلصا سل سيفه على أبيه عندما أشرفوا على المدينة فقال: والله على أن لا أغمده حتى تقول: محمد الأعز وأنا الأذل فلم يبرح حتى قال ذلك، وفي رواية أنه رضي الله تعالى عنه وقف والناس يدخلون حتى جاء أبوه فقال: وراءك، قال: ما لك ويلك؟ا قال: والله لا تدخلها أبدا إلا أن يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتعلمن اليوم الأعز من الأذل فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه ما صنع ابنه فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن خل عنه يدخل ففعل.
وصح من رواية الشيخين والترمذي وغيرهم عن جابر بن عبد الله أنه لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ابن أبي قام عمر رضي الله تعالى عنه فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» وفي رواية عن قتادة أنه قال له عليه الصلاة والسلام: يا نبي الله مر معاذا أن يضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم، وفي الآية من الدلالة على شرف المؤمنين ما فيها، ومن هنا قالت بعض الصالحات وكانت في هيئة رثة: ألست على الإسلام وهو العز الذي لا ذل معه والغني الذي لا فقر معه.
وعن الحسن بن علي على رسول الله وعليهما الصلاة والسلام أن رجلا قال له: إن الناس يزعمون أن فيك تيها قال: «ليس بتيه ولكنه عزة» وتلا هذه الآية، وأريد بالتيه الكبر، وأشار العز إلى أن العزة غير الكبر، وقد نص على ذلك أبو حفص السهر وردي قدس سره فقال: العزة غير الكبر لأن العزة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه وإكرامها أن لا يضعها لأقسام عاجلة كما أن الكبر جهل الإنسان بنفسه وإنزالها فوق منزلتها، فالعزة ضد الذلة كما أن الكبر ضد التواضع، وفسر الراغب العزة بحالة مانعة للإنسان من أن يغلب من قولهم: أرض عزاز أي صلبة وتعزز اللحم اشتد كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه، وقد تستعار للحمية والأنفة المذمومة وهي بهذا المعنى تثبت للكفرة، وتفسيرها بالقوة والغلبة كما سمعت شائع ولك أن تريد بها هنا الحالة المانعة من المغلوبية فأنها أيضا ثابتة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين على الوجه اللائق بكل.
{ولكن المنافقين لا يعْلمُون} من فرط جهلهم وغرورهم فيهذون ما يهذون والفعل هنا منزل منزلة اللازم فلذا لم يقدر له مفعول ولا كذلك الفعل فيما تقدم، وهو ما اختاره غير واحد من الأجلة، وقيل في وجهه: إن كون العزة لله عز وجل مستلزم لكون الأرزاق بيده دون العكس فناسب أن يعتبر الأخلاق في الجملة المذيلة لما يفيد كون العزة له سبحانه قصدا للمبالغة والتقييد للجملة المذيلة لما يفيد كون الأرزاق بيده تعالى، ثم قيل: خص الجملة الأولى ب {لاّ يفْقهُون} [المنافقون: 7] والثانية ب {لاّ يعْلمُون} لأن إثبات الفقه للإنسان أبلغ من إثبات العلم له فيكون نفي العلم أبلغ من نفي الفقه فأوثر ما هو أبلغ لما هو ادعى له.
وعن الراغب معنى قوله تعالى: {هُمُ الذين يقولون لا تُنفِقُواْ} [المنافقون: 7] إلخ أنهم يأمرون بالاضرار بالمؤمنين وحبس النفقات عنهم ولا يفطنون أنهم إذا فعلوا ذلك أضروا بأنفسهم فهم لا يفقهون ذلك ولا يفطنون له، ومعنى الثاني إيعادهم بإخراج الأعز للأذل، وعندهم أن الأعز من له القوة والغلبة على ما كانوا عليه في الجاهلية فهم لا يعلمون أن هذه القدرة التي يفضل بها الإنسان غيره إنما هي من الله تعالى فهي له سبحانه ولمن يخصه بها من عباده، ولا يعلمون أن الذل لمن يقدرون فيه العزة وأن الله تعالى معز أوليائه بطاعتهم له ومذل أعدائه بمخالفتهم أمره عز وجل، فقد اختص كل آية بما اقتضاه معناها فتدبر، والإظهار في مقام الإضمار لزيادة الذم مع الإشارة إلى علة الحكم في الموضعين. اهـ.